من التعبير إلى التحريض.. هل تساهم المنصات في خلق الأزمات؟

 
في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام، وأيضًا يوتيوب وغيرها من الوسائل الإلكترونية، جزءًا لا يتجزأ من حياة الملايين حول العالم. هذه المنصات منحت المستخدمين مساحة للتعبير عن آرائهم بحرية، وتبادل الأفكار، والتواصل مع الآخرين بسهولة ويسر. لكن في الوقت نفسه، طرحت هذه الحرية الكبيرة تساؤلات ومخاوف جادة بشأن حدود التعبير ومخاطر تحول هذا التعبير أحيانًا إلى تحريض يساهم في خلق أزمات اجتماعية وسياسية وأمنية.

في هذا المقال من معلومة ديجيتال، سنناقش الدور الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في صياغة النقاش العام، وكيف يمكن أن تتحول حرية التعبير عبر هذه المنصات إلى تحريض، ما قد يؤدي إلى أزمات مجتمعية خطيرة.

1. حرية التعبير والمنصات الرقمية

تعتبر حرية التعبير أحد أبرز الحقوق الأساسية التي تكفلها معظم الدساتير والمواثيق الدولية. ومنصات التواصل الاجتماعي كانت المنصة الجديدة التي أوجدت فرصة غير مسبوقة لممارسة هذا الحق. قبل ظهور هذه المنصات، كان التعبير العام يقتصر غالبًا على وسائل الإعلام التقليدية التي تخضع لرقابة معينة، مما حدّ من التنوع في الأصوات.

مع وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكان أي شخص من أي مكان في العالم نشر آرائه، سواء كانت سياسية، اجتماعية، دينية، أو ثقافية، دون وسيط. هذا الانفتاح الكبير ساهم في تعزيز الديمقراطية وفتح المجال أمام حوارات ومناقشات أوسع.

2. من التعبير إلى التحريض: كيف يحدث ذلك؟

مع كل هذه المزايا، ظهرت ظواهر سلبية مثل انتشار المعلومات المضللة، الأخبار الكاذبة، والكراهية عبر الإنترنت. التحريض على العنف أو الكراهية أصبح مشكلة متزايدة عبر منصات التواصل، لا سيما عندما تستغل هذه المنصات من قبل مجموعات أو أفراد يهدفون إلى تأجيج الخلافات أو نشر خطاب الكراهية.

التحريض هنا يعني الدعوة أو التحريض بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أفعال عنيفة أو عدائية تجاه مجموعات معينة على أساس عرقي، ديني، سياسي، أو اجتماعي. ويتجاوز ذلك حدود حرية التعبير ليصل إلى تهديد السلم الاجتماعي.

3. العوامل التي تسهم في تحول التعبير إلى تحريض

أ. الخوارزميات وتضخيم المحتوى

تعتمد منصات التواصل على خوارزميات معقدة تعمل على عرض المحتوى الذي يثير تفاعلًا أكبر، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. للأسف، كثيرًا ما يتم تضخيم المحتوى المثير للجدل أو المثير للكراهية لأنه يجذب المستخدمين أكثر ويزيد من وقت تفاعلهم مع المنصة.

هذا التضخيم يعزز من انتشار الخطاب التحريضي بسرعة كبيرة، مما يجعل من الصعب السيطرة عليه، ويخلق بيئة خصبة لتصاعد الأزمات.

ب. الفضاء المفتوح ونقص الرقابة

الحرية الواسعة في نشر المحتوى وعدم وجود رقابة فعالة أو سريعة على ما يُنشر يجعل من المنصات بيئة مثالية لنشر الأفكار المتطرفة أو التحريضية. كثير من المحتويات التي تحرض على الكراهية أو العنف تبقى متاحة لفترات طويلة قبل أن تتدخل إدارة المنصة، ما يساهم في تفاقم الأزمات.

ج. الاستقطاب والانقسام المجتمعي

المنصات الرقمية تعزز أحيانًا الانقسام بين المجموعات المختلفة بسبب ظهور فقاعات المعلومات أو الـ"Echo Chambers"، حيث يتلقى المستخدمون محتوى متشابهًا مع آرائهم فقط، مما يعزز الأفكار المتطرفة أو الأحكام المسبقة.

هذا الاستقطاب يزيد من احتمالية التصادم بين المجموعات، ويخلق بيئة متوترة معرضة للأزمات.

4. أمثلة من الواقع

شهد العالم العديد من الأزمات التي ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تأجيجها أو حتى خلقها. ففي بعض الدول، تحولت النزاعات السياسية أو الدينية إلى أعمال عنف مدعومة بانتشار خطابات تحريضية على هذه المنصات.

على سبيل المثال، الأزمة في ميانمار شهدت تصاعدًا في خطاب الكراهية عبر الإنترنت تجاه أقلية الروهينجا، ما ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية. وفي أماكن أخرى، استخدمت جماعات متطرفة المنصات لنشر أفكارها وتحريض أتباعها على العنف.

5. دور الشركات المالكة للمنصات

تواجه شركات التواصل الاجتماعي تحديًا كبيرًا في التوازن بين حماية حرية التعبير ومكافحة المحتوى التحريضي. البعض يرى أن هذه الشركات لا تقوم بما فيه الكفاية للحد من انتشار الخطاب التحريضي، بينما يراها آخرون كجهات رقابية قد تحد من حرية التعبير إذا ما بالغت في التدخل.

وقد بدأت بعض هذه الشركات بوضع سياسات واضحة لفرض رقابة على المحتوى، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة المنشورات والتعليقات، وحظر الحسابات التي تنشر خطاب الكراهية أو تحرض على العنف.

6. التحديات القانونية والأخلاقية

تتباين القوانين بين الدول فيما يخص حرية التعبير والتحريض عبر الإنترنت. ففي بعض الدول، تُعتبر الرقابة على المحتوى أمرًا ضروريًا للحفاظ على الأمن القومي والنظام العام، بينما في دول أخرى تُعتبر حرية التعبير مطلقة ولا يمكن تقييدها إلا في حالات نادرة.

وهذا يخلق تحديًا للشركات التي تدير هذه المنصات لتطبيق قواعد موحدة تناسب جميع الدول، مما يجعل من الصعب فرض رقابة فعالة.

7. كيف يمكن التعامل مع هذه الأزمة؟

أ. تعزيز الثقافة الرقمية

من المهم رفع الوعي بين المستخدمين حول خطر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، وتعزيز مهارات التفكير النقدي لاختيار المحتوى المناسب وتجنب الوقوع فريسة للتحريض.

ب. تطوير تقنيات المراقبة

يمكن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى التحريضي بشكل أسرع وأكثر دقة، مع ضمان عدم التعدي على حرية التعبير بشكل مفرط.

ج. التعاون بين الحكومات والمنصات

يجب أن يكون هناك تعاون فعال بين الجهات الحكومية وشركات التواصل الاجتماعي لوضع سياسات واضحة ومتوازنة تحافظ على حرية التعبير وفي نفس الوقت تحمي المجتمع من خطابات الكراهية والتحريض.

د. تشجيع الحوار المفتوح والاحترام المتبادل

تعزيز ثقافة الحوار البناء والاحترام بين المستخدمين عبر منصات التواصل يساهم في تقليل حدة الصراعات ويمنع تحول النقاشات إلى تحريض.

8. الخلاصة

لا يمكن إنكار الدور الإيجابي الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في تمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم والتواصل مع العالم. لكنها في الوقت نفسه، تحمل مخاطر كبيرة عندما تتحول حرية التعبير إلى تحريض يؤجج الأزمات.

لذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد التوازن الصحيح بين حرية التعبير ومسؤولية حماية المجتمع من خطاب الكراهية والعنف. ويجب أن يكون هذا الجهد مشتركًا بين المستخدمين، الحكومات، وشركات التكنولوجيا لتحقيق بيئة رقمية صحية وآمنة.


تعليقات
كتبه فريق التحرير في
معلومة ديجيتال

نحن نعمل على تقديم محتوى تقني موثوق، شامل، ومحدث دائمًا لمساعدتك على فهم التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها اليومية.

تابعنا لمزيد من الشروحات والمقالات الحصرية:
ma3lomadigital.online

تابع صفحاتنا الرسمية:
فيسبوك | تويتر | تيليغرام | يوتيوب