بعد أكثر من عقد من الزمان على تجربة مايكروسوفت الفاشلة مع “كورتانا”، تعود الشركة العملاقة مجددًا لتجربة الذكاء الصوتي، لكن هذه المرة مع رؤية مختلفة تمامًا وأكثر تطورًا، من خلال مساعدها الجديد Copilot في نظام ويندوز 11.
فقد أعلنت مايكروسوفت رسميًا عن إطلاق تحديث واسع لمجموعة ميزات Copilot Vision وCopilot Voice، لتُتيح للمستخدمين التحدث مباشرة إلى النظام عبر عبارة “Hey, Copilot”، تمامًا كما تتحدث مع مساعد شخصي حقيقي.
Copilot: المساعد الشخصي الذكي يعود بحلة جديدة
تسعى مايكروسوفت من خلال “Copilot” إلى جعل الكمبيوتر يتفاعل بذكاء مع ما يراه المستخدم على الشاشة.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت تتصفح صورًا لجزر هاواي، يمكنك ببساطة أن تقول:
“Hey Copilot، أين تم التقاط هذه الصور؟”
وسيقوم المساعد بتحليل الصورة، تحديد الموقع الجغرافي، واقتراح رحلة طيران مناسبة، بل وحتى تقديم نصائح لتخطيط ميزانية السفر.
هذا الدمج بين الرؤية الذكية والذكاء الصوتي يمثل نقلة نوعية في تجربة استخدام الحواسيب الشخصية، إذ لم يعد المساعد مجرد برنامج للبحث أو تنفيذ أوامر بسيطة، بل أصبح نظامًا متكاملاً يتفاعل مع محتوى الشاشة في الوقت الفعلي.
تطور التجربة من “كورتانا” إلى “كوبيلوت”
منذ إطلاق “كورتانا” قبل أكثر من عشر سنوات، كانت مايكروسوفت تحلم بأن تجعل المستخدمين يتحدثون مع حواسيبهم كما يتحدثون مع البشر.
لكن التجربة حينها فشلت بسبب القيود التقنية وضعف فهم اللغة الطبيعية.
اليوم، ومع تطور النماذج اللغوية التوليدية (LLMs)، أصبح بإمكان “Copilot” فهم الأوامر المعقدة، تحليل الصور، والتفاعل مع التطبيقات المفتوحة مباشرة.
فالمستخدم يمكنه طلب إنشاء سيرة ذاتية، أو تحرير ملف صوتي، أو تنظيم المجلدات، وكل ذلك بصوت واحد فقط.
مايكروسوفت وصفت رؤيتها بأنها خطوة نحو "كمبيوتر يفهمك كما يفهمك الإنسان"، وهي رؤية تذكّرنا بحواسيب “ستار تريك” الأسطورية، ولكن بطريقة أكثر واقعية.
الأمان والخصوصية… التحدي الأكبر أمام “Copilot”
ورغم الحماس الكبير حول هذه الميزات، إلا أن مايكروسوفت تواجه تحديًا حقيقيًا في كسب ثقة المستخدمين، خاصة بعد الانتقادات الواسعة لميزة “Recall” السابقة التي أثارت مخاوف تتعلق بتخزين الصور ولقطات الشاشة في السحابة.
فميزة Copilot Vision تعتمد على إرسال بيانات الشاشة إلى خوادم مايكروسوفت لتحليلها بالذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الشركة تحتاج إلى ضمانات قوية لحماية خصوصية المستخدم.
وقد أكدت أن الميزة “اختيارية بالكامل” ويمكن تفعيلها أو تعطيلها من إعدادات التطبيق، مع توفير طبقات أمان متقدمة لحماية البيانات أثناء المعالجة.
Copilot Actions: المساعد الذي يُنجز المهام نيابة عنك
الميزة الأخرى التي أثارت اهتمامًا واسعًا هي Copilot Actions، وهي خاصية تسمح للمساعد بتنفيذ المهام داخل النظام بشكل شبه ذاتي.
فبمجرد تفعيلها، يمكن لـ Copilot مثلًا أن:
- يعيد تسمية مجموعة من الملفات دفعة واحدة.
- يرتب مجلد صور بطريقة ذكية.
- يحرر النصوص داخل الملفات بدون تدخل المستخدم.
وبينما تبدو هذه الميزة وكأنها حلم لكل من يسعى لتوفير الوقت، إلا أنها تطرح أيضًا تساؤلات حول مدى تحكم المستخدم في النظام، خاصة أن Copilot يمكنه تنفيذ الأوامر في الخلفية دون إشراف مباشر.
مايكروسوفت أكدت أن جميع الإجراءات تتم في بيئة معزولة (Sandbox) لحماية النظام من أي خلل أو تهديد أمني، وأن المستخدم يستطيع إيقاف أي عملية في أي لحظة أو مراجعة كل خطوة من خلال واجهة التطبيق.
التكامل مع النظام والتطبيقات الخارجية
لم يقتصر تطوير Copilot على الأوامر الصوتية فقط، بل شمل أيضًا دمجًا أعمق مع واجهة ويندوز 11.
فقد أضافت مايكروسوفت خيار “Ask Copilot” في شريط المهام، بحيث يمكن للمستخدم كتابة استفسار مباشر أو طلب تنفيذ مهمة دون الحاجة لفتح التطبيق الرئيسي.
إضافة إلى ذلك، بدأ Copilot يتكامل مع تطبيقات خارجية مثل:
- Filmora AI: لإنشاء فيديوهات تلقائيًا من الصور والملفات.
- Manus AI: لتحويل مجموعة مستندات إلى موقع إلكتروني متكامل.
بهذه الخطوة، تحاول مايكروسوفت جعل الذكاء الاصطناعي نظامًا مركزيًا داخل ويندوز، بدلاً من أن يكون أداة منفصلة.
مايكروسوفت تراهن على المستقبل الصوتي
يبدو أن مايكروسوفت تراهن هذه المرة على أن الصوت سيكون الواجهة الطبيعية القادمة للتفاعل مع الحواسيب.
فبينما تحاول شركات مثل “OpenAI” و“Anthropic” السيطرة على مجال المحادثات الذكية عبر الويب، تتجه مايكروسوفت إلى دمج الذكاء الاصطناعي داخل نظام التشغيل ذاته، لتجعله أكثر تكاملًا واستجابة.
ويشير محللون إلى أن الشركة تخطط على المدى الطويل لجعل Copilot يتطور إلى وكيل رقمي متكامل (AI Agent) قادر على إدارة البريد الإلكتروني، جدولة الاجتماعات، وحتى التعامل مع التطبيقات المكتبية نيابة عن المستخدم.
اقرأ أيضا.. مايكروسوفت تطلق OneDrive جديد بقدرات ذكاء اصطناعي لتعزيز تجربة المستخدم
انتقادات وتحفظات
رغم هذه التطورات، ما زال كثير من المستخدمين متحفظين تجاه سياسات مايكروسوفت الجديدة، خاصة بعد إعلان نهاية دعم Windows 10 هذا الأسبوع.
ويرى البعض أن الشركة تحاول دفع المستخدمين قسرًا نحو الترقية إلى Windows 11 للاستفادة من الميزات الذكية الجديدة، مما أثار موجة من الجدل على مواقع التواصل.
كما أن بعض الخبراء في أمن المعلومات حذروا من أن منح الذكاء الاصطناعي القدرة على تنفيذ أوامر النظام قد يفتح الباب أمام استغلالات خبيثة في حال حدوث اختراق.
لكن مايكروسوفت أكدت أنها أجرت اختبارات أمنية مكثفة قبل الإطلاق، وأن الميزة ستُطرح تدريجيًا للمستخدمين المسجلين في برنامج Windows Insider لتجميع الملاحظات وتحسين الأداء قبل الإطلاق الكامل.
الخلاصة
تضع مايكروسوفت اليوم حجر الأساس لجيل جديد من أنظمة التشغيل الذكية، حيث يتحول الكمبيوتر من مجرد أداة إلى شريك فعلي في العمل والإبداع.
ميزة “Hey Copilot” ليست مجرد تحديث، بل هي إعلان عن عصر جديد من التفاعل بين الإنسان والآلة، يعتمد على الرؤية واللغة والفهم السياقي في وقت واحد.
ومع أن الطريق لا يخلو من التحديات الأمنية والتقنية، إلا أن مايكروسوفت تبدو عازمة على جعل ويندوز 11 المنصة الأكثر تكاملًا مع الذكاء الاصطناعي في العالم.
ومع مرور الوقت، قد يصبح قول “Hey Copilot” بداية عهد جديد في تاريخ الحوسبة الذكية.
ذكاء اصطناعي، ويندوز 11، مايكروسوفت، كوبيلوت، Hey Copilot، Copilot Actions، Copilot Vision، المساعد الذكي، التقنية الحديثة، تحديث ويندوز، الخصوصية الرقمية، الأمان السيبراني، الحوسبة التفاعلية، الذكاء التوليدي، مستقبل التكنولوجيا
اقرأ أيضا.. جوجل تُطلق Gemini Enterprise لتسهيل استخدام الذكاء الاصطناعي في الشركات